يتألف إسم كفرنبرخ من قسمين: الأول " كفر " ومعناه القرية في السريانية، والقسم الثاني " نبرخ " معناه نبارك، وبالتالي يكون معنى الاسم " القرية المباركة ".
وفي كفرنبرخ بعض الآثار من أجران وآبار محفورة في الصخور، وبعض القبور القديمة ما يدلّ على قدمها.
كفرنبرخ في التاريخ
لقد ورد إسم كفرنبرخ في عدّة مراجع تاريخية إبتداء من القرن الثالث عشر حيث كانت كفرنبرخ أرضاً خصبة كثيرة المراعي فكان أمراء الغرب يستأجرون أرضها مرعى لخيولهم ومسرحاً لها.
وقد ذكر فؤاد أفرام البستاني في كتابه " على عهد الأمير " أنّ الأمير بشير الكبير كان يعرّج على كفرنبرخ عندما يتفقد رعيته وله فيها هناك قصة عن إمرأة قتلت زوجها وإدّعت أنّ أحداً قد قتله، إلا أن الأمير إستطاع بحكمته معرفة القاتل الحقيقي بعد عودته من جولته التفقدية وكان ذلك قبل غروب شمس ذلك النهار.
ولا يزال أهل القرية حتى اليوم يتذكرون خبراً مفاده أن الأمير بشير كان يأخذ له مقعداً على صخر كبير لا يزال قائماً حتى اليوم في خراج القرية يشرف منه على قرى عديدة في بلاد الجبل وهذا الصخر يسمّى (مصّار المدور).
أمّا القس حنانيا المنيّر وفي كتابه " الدّر الموصوف في تاريخ الشوف " فقد ذكر لنا حادثة طبيعية لا زال أهلنا يتداولونها حتى اليوم. وهي أن القرية حصل فيها خسوف للأرض كبير فتزلزلت الأرض، وإنتقل الجبل من هناك إلى الجانب الثاني، وردم الخسوف أغراساً لا تحصى وبيوتاً مات فيها جملة من الناس، ونفق كثير من المواشي، وقيل وقتئذ أن رجلاً من كفرنبرخ كان فوق ذلك الجبل وإذا بالجبل يمشي به إلى الجانب الآخر، فإندهش لهذا الأمر وإختلّ عقله.
أما مجرى النهر فإحتقن عدّة أيام وظلّ ماؤه معكراً جملة سنين بسبب وجود معادن كبريتية في ذلك المكان. أمّا الحادثة فقد جرت في الثامن عشر من كانون الثاني سنة ١٧٦٧. ويجب ألاّ ننسى أنّ كثيرين من الرحالة قد مرّوا بها ونخصّ بالذكر منهم الأديب أمين الريحاني وقد ذكر ذلك في كتابه " قلب لبنان ".
ولكفرنبرخ أخبار كثيرة لا تزال عالقة في أذان أهلها كباراً وصغاراً، وهي إن دلّت على شيء فإنّما تدّل على طيبة قلوب سكانها وبساطة عيشهم وقناعاتهم وتعلّقهم بأرضهم مسقط رؤوسهم.
لقد مات أجدادنا ولكن أصواتهم لا تزال ترّن في مسامعنا، أن حافظوا على قراكم، عودوا إليها، عمّروا بيوتها، تجذّروا فيها، فهي تناديكم. فهل هناك من يلبّي النداء؟!
نوادر من القرية
قرية كفرنبرخ كسائر القرى يمتاز أهلها بالبساطة والوداعة وهناءة العيش، ولعلّ هذا الأمر دفع بهم إلى القناعة وتوقف العلم عندهم في حد الزراعة والفلاحة والمكارة وغير ذلك من الأعمال القروية ولا زلت أذكر من طرائفم ونوادرهم الكثير مما يدّل على ذلك.
ومن هذه الأخبار خبرٌ أنقله عن جدّي يرحمه اللّه ورحم الكثيرين من شيوخ قريتي المباركين. وكان ذلك في مطلع الستيّنات حين نلت الشهادة الإبتدائية، حيث طلب إليّ جديّ أن أسوق الحمار وأتبعه إلى الحقل ، وبما أنني لم أكن خبيراً في هذا الكار قلت له إنني لا أعرف أن أسوقه وألحق به إلى الحقل، فصرخ بي شاتماً غاضباً لاعناً المدرسة والعلم ومن أعطاني الشهادة، فبحسب رأيه أنّ من ينال الشهادة عليه أن يُتقن بالإضافة إلى القراءة والكتابة قيادة الحمار وحلب الأبقار وغير ذلك... رحم اللّه جدودنا فيا ليتنا تعلقنا بأرضنا تعلقهم بها لما كنا اليوم بعيدين عنها كلّ البعد ضاربين في بقاع الأرض طلباً للرزق بمشقة وعناء...
وما أذكره أيضاً عن شيوخنا المباركين قصّة طريفة عن أحد الأقرباء من الذين أتقنوا القراءة إذ صودف أن عثر ذات يوم على صفحة من كتاب جغرافيا وفيها كلام على التوزيع السكاني في العالم. وما جاء فيها أن عدد سكان الصين قد بلغ حوالي ٦٠٠ مليون نسمة، فإحتفظ بهذه الصفحة إلى أن إجتمع بأقاربه من كبار السن وراح يقرأ الخبر عليهم، وما إن إنتهى حتى صرخ أحدهم والدهشة بادية على وجهه: " أفّ قديش بدهّن بصل بالسني هودي !؟
وفي أحد الأيام الماطرة طلب أحدهم إلى ولده أن يذهب ويسقي المزروعات القريبة من المنزل، لكن الولد رفض ذلك وقال لأبيه: يا أبي إنّ السماء تمطر مطراً غزيراً. فأجاب الأب بحدّة: هذه ليست حجّة يا إبني، إلبس مشمّعاً وإذهب حالاً إلى عملك...
وهذه قصّة أخرى لا يزال أحد أبطالها حيًّا يرزق، وهي أن عجوزاً تعباً كان يستريح من عناء العمل، وفي أثناء الإستراحة كان يلعن الساعة التي جاء فيها إلى هذه الأرض ويلوم أولاده وأحفاده لأنهم لا يقيمون وزناً للعمل في الحقل ولا يلبث أن يدعو على نفسه ويطلب لها الموت وبالتالي ينادي عزرائيل أن يقبض له روحه. وكان في الجوار رجل يعمل في حقله وهو لا يزال حتى اليوم حيّاً يرزق ـ أطال اللّه عمره ـ فسمع ما يطلبه العجوز فإقترب من خلفه خلسة وأمسك بخناقه، فذعر العجوز وصرخ بصوت متهدّج: مينك إنت؟ فأجابه الرجل: " أنا عزرائيل جيت إقبض روحك " فتوسل إليه العجوز قائلاً: اللّه يخليك تركني أنا عم إترهدن معك ( أمزح معك ) عندئذٍ ضحك الرجل وقابل العجوز وضحك الإثنان من هذه الواقعة التي لا تزال أصداؤها حتى اليوم.
إنّ هذه القصّة ذكرتني بقصّة " الموت والحطاب " للكاتب الفرنسي " لافونتين " فما أقرب اليوم من الأمس؟ وكم تتشابه الأفكار وتتوارد بين البشر في كل زمان ومكان.