بنت الزين عضو ذهبي
الــــدولــــة : الــجــنــس : الــمـهــنــة : الــهــوايــة : الــمــزاج : عدد المساهمات : 237 M M S : S M S : الاوسمة :
الاضافات مشاركة/share: قيم-الموضوع/Rate-Thread:
| موضوع: الكرسي الفارغ الأحد 02 أكتوبر 2011, 23:50 | |
| لكرسي... الفارغ (قصة اجتماعية)
يرن جرس منبه الساعه مؤشراً .. إنها السادسه صباحاً .. تنهض فاتن مع تكسرات الكسل الصباحيه .. تلاقي صعوبة في خطواتها الأولى لإرهاقاتها اليوميه تتمايل في مشيتها و كأنها طفلة ..
تأخذ حماماً ساخناً تخرج و البخار يغطي فتحة الباب و هي تلف شعرها الحريري بمنشفةٍ فتبدو كأميرةٍ في العشرين .. مع أن عقارب سنينها تجاوزت الثانية و الثلاثين ..تدخل الى غرفتها قليلاً ثم تخرج و تدخل غرفة إبنتيها و لا تزال أشعة الشمس عاجزةً عن التوغل إلا في زوايا قليلة من الغرفه .. و هما كملاكان نائمان ..تقترب من سرير إبنتها الكبرى ذات الخمسة عشر عاماً ..
فتهمس في إذنها و هي توقضها بأسلوب أنثوي لطيف .. هيفاء .. هيا يا حبيبتي .. فالساعة تشير الى السادسه و النصف .. تجيبها هيفاء و وعيها ما زال .. قدم في الواقع و قدم في عوالم الأحلام ..نعم يا أمي .. سأقوم حالاً .. فتكمل الأم همساتها .. لا تنسي أن توقضي حنان .. تهز هيفاء رأسها ببطءٍ شديد بالإيجاب .. وهي ترفض فتح عينيها فتفقد بقايا أحلامها الورديه .. تتجه فاتن الى المطبخ و هي تشعر بلسعات البرد فتشعل مدفأة نفطيه و تسحبها لمنتصف المطبخ .. بجانب مائدة الطعام .. تفتح الثلاجه و تخرج بعض البيض و تذهب الى الطباخ ..تعد الفطور لها و لإبنتاها ..
تأخذها الأفكار و هي تكسر البيض و تعد الشاي .. تفكر في الزوج الذي تركها منذ خمس سنوات .. إذ دخل عليها ذات ليلةٍ يخبرها بأن حياته معرضةً للخطر .. ثم إختفى مع الصباح .. من حينها و لم ترى من زوجها لا أموالاً و لا كلمات .. لا شي يء يساعدها على تربية بنتين في زمن لا يرحم .. لكنها لم تيأس .. يحيطها الجميع بالإحترام .. فهي تتمتع بنشاط باهر .. لا تنكسر مهما حصل .
و في الجانب الثاني من صفحاتها .. نجدها لا تفارق الدموع في وحدتها تأن مع نجوم الليل و تسابق في بكائها قطرات المطر.. مع كل هذا فهي تقوم بما عليها من واجبات لتحافظ على بقايا العائله بل إنها تجاوزت تلك الواجبات بمراحل عديده ..لا تعرف البنتان أن والدهما رجل لا يعرف طعم المسؤوليه .. فهي لا تذكره أمامها إلا بكل خير .. تخبرهما بأنه يصرف على البيت أكثر منها و أنه يتصل شهرياً في غيابهما .. فهي لا تريد أن تكرهه بنتاه .. ربما لأنها ما زالت تلزم نفسها بعهد الحب .. و ترسم آمالاً كثيرةً على رجوعه الى حياتها ليحيي صحرائها القاحله .. تخرج هيفاء من غرفتها مجعدة الشعر تفتح عيناها بصعوبه .. صباح الخير يا أمي ..صباح الخير يا صديقتي .. هل إستيقظت حنان ؟.. نعم يا ماما .. تخرج حنان ذات العشر سنوات و هيتفرك عينيها بيديعا .. صبا الخير ماما .. صباح الخير حياتي .. و تتجه حنان لتجلس على مائدة الأفطار مباشرةً .. تنظر اليها أمه و هي ترفع حاجبها الأيمن علامة وجود شيء خاطيء في تصرفها .. تذنظر حنان الى وجه أمها .. ماذا ؟.. صحيح .. صحيح ..يجب أن نغسل وجوهنا عندما نصحوا من النوم لنزداد نشاطاً .. أعلم هذا جيداً .. تقوم متكاسلةً و أمها تنظر إليها بإبتسامةٍ تزين وجهها الجميل .. تستمر في إعداد الفطور و هي تفكر .. إنها لا تقسو على بناتها إلا أحياناً قليله .. فهي لا تريد أن تحملهن أكثر من طاقتهن خصوصاً مع غياب الأب الضروري في حياة كل واحدةٍ منهن ..
تضع إبريق الشاي على حافة النار ليبقى ساخناً , و تحمل البيض تضعه على الطاوله مع ثلاث أكوابٍ و علبة سكر . ثم تخرج من الثلاجه بعض الجبن والزبده و علبة مربى التفاح ألتي تحبها حنان ..
ترتب كل شيء على الطاوله ثم تضع بعض الخبز أيضاً .. و تسارع إلى غرفتها لتغير ملابسها .. وهي تنادي .. هيا يا حبيباتي .. إنها السابعه .. عليكن الخروج عند السابعه و النصف .. أسرعن بتبديل الملابس .. تغلق باب غرفتها خلفها و تخلع ملابسها و تقف أمام المرآة و هي تدخل نفس دوامة الشك و القلق اليوميه .. لماذا أضحي بهذا الجسد ؟.. أتظنين أن يعود يوماً ما ؟.. و تجيب نفسها بنفسها .. بتردد واضح .. و شكٍ عميق .. و إقناعٍ مزيف .. فهي ترفض النظر الى الواقع .. و لكنه .. يجب .. لابد أن يعود .. نعم سيعود .. سيفتح الباب يوماً ما و يأخذني بالأحضان .. و حتى رجوعه لابد لي من الإهتمام بإبنتاي .. فهما كل ما أملك حالياً .. إنهما سبب وجودي على هذا الكوكب ..
تعود الى إرتداء ملابسها و تخرج بعد عشر دقائق ..وفي نفس الوقت , تخرج هيفاء .. تقترب أمها منها و هي ترتب لها ملابسها .. ما هذا يا صديقتي ؟.. أصبحتي في الخامسةَ عشر .. يجب أن تهتمي بمظهركي أكثر .. فتنظر اليها هيفاء و تسألها بشقاوة بريئه ..و أنتي يا صديقتي ؟..
لا توجد إستاذة جامعه ترتدي يومياً نفس الثوب .. يجب أن تهتمي أنتي أيضاً بمظهركِ ..و إلا فسيغضب والدي لو رآكِ على هذه الحال .. عنما نطقت هيفاء بهذه الكلمات , شغرت بالصدمة تأكل لسانها .. ماذا سيكون حال إبنتها لو أنها تعلم بجفاء والها لهذه العائله ؟.. و أين هو ذلك الغائب لأضع له الزينه و أهتم بمظهري ؟.. إنها تتكسر كأوراق الخريف التي قد يراها البعض جميلة .. و لكنها تموت ..
ثم تجيب إبنتها بإرتباك و هي تمسح شعرها بكفها الأيسر .. لا يهم يا حبيبتي فأنا ذاهبة الى الجامعه و ليس الى سهرةٍ مسائيه .. ثم .. ثم إنني و ضعت أحمر الشفاه و بعض الزينة .. تهز إبنتها رأسها يميناً و شمالاً و تفتح كفيها , كأنها تقول .. لن أتمكن من التغلب عليكِ فإنتي تتهربين دوماً بنفس الطريقة من سؤالي .. فتبتسم أمها و تحضنها وتذهبان للمطبخ وتنادي .. هيا يا حنان .. أسرعه ..
العلاقه بين فاتن و إبنتها هيفاء ليست طبيعيه كعلاقة أي أمٍ بإبنتها , حتى أن النداء فيما بينهما تسود فيه عبارة .. صديقتي .. و ربما يعود هذا إلى الوحده ألتي تعيشها فاتن .. فبرغم عملها الذي يفرض عليه إختلاطاً واسعاً بالناس .. إلا إنها لا تبوح بأسرارها لغير إبنتها .. أو كما يحلو لها أن تسميها .. صديقتها هيفاء ..فهي تبوح لها بكل شيء إلا سرها الكبير . الذي تحاول أحياناً إخفائه حتى عن نفسها .. خوفاً من أن يتغلب الواقع على أحلامها المرسومةِ بحذرٍ شديد ..
تجلسان الى طاولة الطعام .. فتصب الأم الشاي في الأكواب الثلاثه .. تخرج حنان بهيئتها التي لا تعبر إلا عن فوضى .. و شعرها المجعد الطويل .. فجلست أمامهم .. و الأم تتنظر أليها و تعصر حواجبها بغضب بسيط .. يبدو أنكِ لا تسمعين أي كلمةٍ فعلاً .. أليس لديكِ مجموعةً كاملة من الأمشاط ؟.. و ما هذا القميص ؟.. هل كنتي في شجارٍ معه و أنت ترتدينه ؟.. ثم تكمل إفطارها .. مع إبنتاها ..
و بعد قليل .. تنطق حنان .. الى الكرسي الفارغ على الطاوله .. كلما رأيت هذا الكرسي الفارغ تذكرت والدي .. ماما .. متى يعود أبي ؟.. قتنفجر عليها بقسوة هادئه .. قلت لكِ كفى .. يجب أن تعتادي على وجود هذا الكرسي الفارغ .. حتى يعود أباكِ .. فلا تسألي يومياً نفس السؤال ..أكملي فطوركِ ستتأخرين عن المدرسه ..
إن فاتن تنهار تدريجياً مع حلمها القاسي .. إنها ترفض الخروج من قوقعتها الى الواقع .. ترفض النزول من برجها العاجي و رؤية الحقيقه .. يرن جرس الباب .. تشير الى هيفاء بالخروج لترى من بالباب .. تخرج هيفاء مسرعةً .. تعود بعد لحظات و هي تحمل رسالة . ماما .. إنها من والدي .. تسحبها فاتن من يدها بسرعة و هي تتلهف لقرآءة أول كلمة من زوجها منذ خمس سنوات .. لن تتمكن من إقناع بناتها بقرآءتها لاحقاً فالعائلة كلها تتلهف لهذه الكلمات ..
تفتح الظرف فتخرج ورقتان .. تفتح الأولى ..و حنان تسأل .. بسرعه يا أمي .. ماذا كتب بابا ؟.. فتقرأ فاتن في سرها ..
بعد التحيه .. عزيزتي فاتن .. أعتذر عن سنين الشباب إلتي ضاعت بسببي .. أعتذر عن السنين الخمس ألتي إنقطعت بها عنكِ ..إعتذري بالنيابةِ عني الى إبنتاي .. لا أعرف كيف أقول هذا .. لكن ورقة طلاقكِ في نفس الظرف .. أتمنى أن تتناسين ما كان ..لأنني تزوجت منذ ثلاث أعوام .. سامحيني .. زوجكِ السابق .. ليث .. فتحة الورقه الثانيه بسرعه .. ثم نظرت الى ملاكان ينتظران الذبح و لا يعلمان .. تسألها فاتن .. ها ماما ؟.. فتجيب و الدموع تسبح فوق السدود إلتي ستنفجر .. هذه الرساله ليست من بابا .. إنها من رفيقه في الشقه .. حبيبتي حنان .. أبعدي عن الطاوله هذا الكرسي الرابع .. لأن بابا .. مات .. تنظر الى الورقة الثانيه و عينيها تترقرق بالدموع .. و هذهِ ... تفتحها بهدوء ثم تقول و قد سالت أنهار الدمع الأسود .. إنها ... إنها شهادة وفاته ... ---------------------- أبحث كل مساء عن مكان ملائم للرصاصة ألتي ستغفو يوما ما في جبيني
| |
|